الأربعاء، 15 يونيو 2016

ظننتُ.

ظننتُ أنّني تخطيّتهم، مَن آذوني كثيرًا. ظننتُ أن خُطايَ سبقتْ خُطاهم، أخيرًا، وبَعدَ جُهدٍ حثيثظننتُ أنني طمَستُ قُربهم، ومَحوتُ حدودهم، وفَرحتُ كثيرًا بهٰذا الظّن، ما زَادَ حَياتِي بهاءً، ورَوعة، ومحيّايَ رونقًا ونُضرة!

وأنَا ثابِتَة عِند ظَنّي، وأنتَ عِند حُسنِ ظَنّي بكَ يا ربّي! 

نَعم، أنا عِندَهُ، ثابِتة رَاسخة، رُغمَ مُكامَعة الشّكوكِ لعَقلي حينًا، والخَوفُ الذّي يَعتري قَلبي أحيانًا كثيرة، بأنّي ما تخطّيتُهم قطُّ وما نَسيت. 

قلتُ لهُ يومًا: ”لَن أستطيعَ النّسيان“، 
فردّ عليّ:
”ومن قَالَ لكِ انسي؟ 
النّسيانُ للخَونة، وأنتِ أطهر كثيرًا مِنهم. فقطّ، غيّري مكانَهم في الذّاكرة، اعشقي بُعدهم، وابقي عِند حُسن الظّن، بالصّمود.

لا تنسَ يا أيّها البَاكي، ولا تَدمعي يا حازِنة. فقطّ، استبدلي الحُجراتَ في الذّاكرة، وهلّمي إلى العِنادِ على ناصيةِ الصّمود!

سَنصمدُ طويلًا، في وَجه أعاصِير الحنين وطوفانِ الرّحيل، سَنصمدُ تحتَ ضغطِ البُعدِ وفوقَ نَارِ الحُزن، سأصمدُ طويلًا، وجميعًا.

لَن نشحَذ الحُب، ولا الرّحمة، ولا البَقاء، ولا الحَنان، ولا الاهتمام ولا حتّى نِصف شطيرتهم! بل سَنصنعُ شطائر ألَذ مِن عزائِمنا، مِنّا وإلينا، وَحدنا.

أصدِقاء لأنفُسِنا سَنغدو! أصدِقاء قُرباء جدًا، يَفهمون ويَستمعون، يَضحكون معًا ويَدمَعون، يَنصحون ويُرشِدون، أصدِقاء كهٰؤلاء لأنفُسِنا سَنكون، أطهَرُ صَداقة، وأعندَها على البَقاء والدّوام.

”دائمًا ما كنّا نَبحثُ عن توائم أرواحِنا، هَل فكرنَا يومًا بالبَحثِ عن أرواحِنا؟“



حصّه.
4مايو2016.
9:02م.


أحلام.

اشتريتُ من السّوقِ الحُرة في مطار جدة ”أحلام“، أحلام هي دُمية سَمراء مِثلي، ترتدي مِعطفًا أبيَض مِثل ما أتمنى. وسمّاعةٌ وَرديّة مُحاكة بلطافة حَولَ عُنقها، أصريتُ كثيرًا أن أشتريها، رُغم سِعرها الغالي نسبيًا، لكنّني رأيتُني فيها، حقًا.

أسمَيتُها أحلام، لما أودعتُ في هٰذه الرحلة عُند الله تَحقيق أحلامي الكثيرة، أحلامي المُرهفة، أحلامي الطُفوليّة، أحلامي اليائسة، أحلامي الشقيّة، أحلامي البائسة، أحلامي السّعيدة، أحلامُ حصّه اللانهائية

حُلمٌ اقترب، وأزدادُ خَوفًا كلما ازدادَ قُربًا. قلقٌ يَعتصر قّلبي، لو أتخلى عَن تفكيري الزائد الذّي لا يَبني ولا يَهدم قليلًا، قليلًا فَقط! 

الخوفُ مِن القَادِم، الخَوفُ مِن المَجهول، الخَوف من الجَانِب الضبابّي الذي مازالت رُؤيتي لَه غَير واضحة حتّى الآن، الخَوف مِن المَصير.

الخوفُ من أن تَتحطّم أحلامي، من أن تَتهشّم تَحت مَظلة الوَاقع، الخَوفُ من الخَيبة، التي استحلّت كلّ أمورِ حياتي، هّل لأنّني أتَوقعُ العالي؟ أم لأن.. هِي ما هِي، والرّبُ كرِيم، وفي كلٍ الخيرة!

أحلام، لا تَكوني شقيّة، هيمي وحلّقي بهدوء، ببطء، إياكِ والعَجلة، أحلام! 

أحلام الشقية، أحلام التّي تَحمل مُقلتها كُل أمل أراه، أحلام، كوني مُتطلعة، أحلام، لا تَتوّقّفي، عَن التّحقق.

حصّه
الثلاثاء،١٤يونيو٢٠١٦.
٥:٤٨م.

رِحلةُ روحٍ.

خطّ النهايةِ بدا بعيدًا، لٰكنّني وَصلتُ رُغم ذلك، خُطواتي كانت كئيبة مُتثاقلة، لٰكنها وصلت إلى المُبتغى، وحطّت علىٰ المُراد.
تعبتُ كثيرًا، سَهرتُ طويلًا، ثم أنهيتُ المرحلة الثانويّة بنجاح أسعد مَن حَولي كثيرًا؛ ما أسعدني أكثر من نتيجة أتعابي نَفسَها. 

كَم أمقُتُها، نَفسي الطموحة، بلا شَك، لم تُعجبها ما أحرزت من نتيجَة، لٰكنني أسعىٰ لمجاهدتها، وللقَناعة بما أنجَزت، وما كتبهُ اللهُ لي مِن نَصيب، فهو العَليم بكلّ ما بَذلت، وهو العادِل وَحده، يَعدل بينَ البَشر، يُعطي ويَأخذ، ليتَساوىٰ خَلقه بطرِيقة تَفوقُ تصوّراتنا وعُقولنا، نَعَم.

شددت الرّحال، في أوّلِ أيّام رَمضان الحَبيب المنتَظر، إلى أطهَرِ بِقاعِ الأرضِ، راجيةً طهارةً لروحي، ونقاءً لقلبي المُرهق، مِمّا ألمّ به من ألمٍ في فَترةٍ لم تكن بالقصيرة، أحسّ بِها فُؤادي بِما لم يُحس بِه أبدًا.

أعوامٌ مَضت، مُنذ أن رَأت عيّني الكعبة لأوّل مرّة، رُبّما عَشرة، لكنّ اللّهفة نَفسها، والنورُ نفسه. أعوامٌ مَضت، والرَّوحانيّة نفسها! 

طُفتُ بيتَه -تَعالى-، رُغم الازدحَام الشّديد، والحَر القَاتل، كانَ طوافًا كالدّواء سالَ على رُوحي المرِيضة، وكحَماماتِ الأعراسِ النقيّة حطّت على قَلبي مُداعبةً إياه. 

ياه! ألوانٌ مُختلفة، أعراقٌ مُختلفة، عربيّ هنديّ أعجميّ أفريقيّ آسيويّ! فرّقتهم أشكالُهم ونطاقَاتهم لٰكن سُرعانَ ما جَمع شتاتهم الحَرم ولَملَم فِراقَهم الصّحن الوَاسع! 

أُرهِقت عيناي. لا أعلم أينَ يَجب أن تنظر! مَلهُوفةٌ لرؤيةِ كُل زاوية، كطفلٍ أدركَ رُكن السّكاكر، أتُرى إلى زَخارِف الكعبةِ الذّهبيّةِ التي نَحتت على مَرآيَ جمالا؟ أم إلى الأقدام مُختلفةِ الأحجامِ والألوانِ، التي تمشي جميعًا على بلاطٍ أبيضَ بارِد، نعم! حتّى الأقدام! في تِطوافِها سحرٌ مُهيب! تنظر إلى الخُطواتِ المُضطربة، هذا أرهقه البوحُ بالدعاء، وذاك خاشِعٌ مترددّة خُطواتُه، لا يَرغب بمواصلةِ المسيِر، والانتهاءِ مِن هٰذه الشّعيرة! وقَدمٌ صغِيرة، أرفَع ناظري لتحطّ على يَدِهِ  التي تُحكم والدتهُ الإمساكَ بها! ما أحنّ قَلبَكِ يا أم، وما استوقَف ضَميري وشتّت أعصابِي أنّني الآن بَين يديّ مَن هُو أرحمّ عليّ من هٰذه الأم عَلى ولدها! والمُرضع على رضيعها! رُحمتك يا الله، وَسعت هٰذا الكون! تَرزق مَن في الجُحورِ ومَن في السّماء! يَخرجُ الطيرُ من عُشه جائعًا ظامئًا ويعودُ ليلًا هنيئًا برزقٍ كتبته لَه، ارزُقنا يا الله! ارزُقنا يا الله كنا تَرزق الطّير.

ما ألهَب غبطَتي هي رِجلٌ وَحيدةٌ تَقفِز، قَد بُترت أختها، لكنّها -ومَع ذٰلك- مَازالت عطِشة للطوافِ بنفسِها، ياه. وآخر يمشي مُلبيًا! بشجاعةٍ يُهروِل! وتَسمعُ الجَماعاتِ تَهتف بأدعيَةٍ مَأثورة، وأبًا يُلقّن صغيرَهُ تلبيَاتٍ مَسرُورة، تَفرّقَ المسلمون، وجَمعتهم مَكة.

مسعاكِ يا هَاجر، مِن الصّفا إلىٰ المروة! لَم يكفّ عقلي عَن تخيّلكِ تُهرولين في صحراءٍ قَاحِلةٍ جرداء تَعرّت مُن وسائل الحياة بين جَبلين، وأسمعُ في خيالي بُكاءً لإسماعيل وليدكِ! مَسعاكِ يا هاجر، الله أكبر، الله أكبر.

رَشفةُ طهارةٍ مِن ماءِ زمزم، نَقّيتُ بِها أحشائي المريضة، وجَسدي الهزيل، أمدنّي بقوّةٍ، وصوتكِ الفرِح يا هَاجر (زَمْ-زَمْ) يصدَحُ في خَيالي. 

عُمرةٌ طهّرت رُوحي، ونقّتها من عَبراتٍ خنقتها طويلًا، مِن همومٍ تاهَت بحسرتِها، إلٰهي الرّحيم تقبّل، واكتُب لنا الثّواب.

أيامٌ قَضيتُها في أم القُرى، نَحتت في قَلبي الراحة كمَا نُحتت مَعاني القوّة في جِبالِها، أطهرُ بُقاعِ الأرضِ أتيتُكِ مريضَة مُتعبَة، وها أنا أعودُ لدياري مُعافاةً صَحيحة.

رِحلةُ روحٍ لا جَسد، رِحلةُ روحٍ لا جَسد، رحلةٌ لقلبي جعلتها تشرئبُّ لسَابِع سماءٍ للروحانيّة، والنّقاء.


مُعلّقة في السماء، بَين المملكة العربيّة السعوديّة والكويت، حَاولتُ الكتابة قليلًا رُغم ما يُصيبني مِن انعدامِ الأفكار والـ"writer's block", لأحرّر روحي من دَهشةٍ لازمَتها.


حصّه.
الثلاثاء،١٤يونيو٢٠١٦.
٥:٣٣م.