السبت، 10 سبتمبر 2016

القَصر، والحَديقة.

قَد تعلمتُ مِن حياتِي القَصيرة، أنا التّي قَاسيتُ الشيخوخَة فِي سَنواتِ براعِمي -وليسَ حتىٰ زُهوري!- أن الوِحدة هِي النجَاة، وقانونٌ في فيزياء الحَياة يَنصّ بكلّ وُضوح: ”راحةُ المَرء تَتناسبُ عَكسيًا مَع عَدد الأشخاص المتدخلين بشؤونه“.
فَما أجمل الوِحدة، ومَا أجمل الاختلاء بهُمومي، والله -ربّي- ثالثُنا.

وَحدك، وربُّك، أعلَم بما أشغَلَ قَلبك وظُنونك طويلًا. بَعيدًا عَن أحَاديث النّاس المُسهَبة كثيرًا، المُنافقة بجَدارة.

لٰكنّه -تَعالىٰ-، يُسخر الأمرَ، والنّاس. يُسخر أولٰئك الذّين يَنتشلونَنا مِن وَحل هَواجس الحُزن. الذّين يمدّون سَواعدهم المورِقة لكَ إيثارًا عِند سُقوطك. الذّين يسرجون بكلماتِهم وميضًا في أحلَك فَتراتك. 

الوِحدة جَميلة، هٰذا ما ظننتُه، ولا أزال أظنّه. وما زلتُ أعتنق مَذهب الوِحدة، وأُقدّسها وأثملها. لٰكن طَعم وجودِهم فِي حياتي، هُو نَبيذٌ اكتشفته. وسُرعان ما أدمنته وثمالَته.

لسَنواتٍ طويلة، سرتُ هيامًا وراء الوِحدة، لسَنوات، جَعلتُها سِراجي في كَهف الحياة، ولا أزال. لٰكنّهم -أُناسي- يراعاتي اللي تومِض بحنان، في أحلكِ زَوايَا هذا الكَهف.

مَشيتُ نُزهاتٍ هَادِئة طَوِيلة فِي بَساتين السّعادة، وَحيدة. لكنّ اتضحّ أن أُناسي هُم أزهارُها، التّي تضيفُ إليها حياةً، ورونقا.

تَسلقتُ جبالَ الصّعوبة وَحدي كثيرًا، اختليتُ مَع القَسوة وحَبل الصّبر أَنيسُنا. كثيرًا ما خَاب التسلّق. كثيرًا ما سَقطت. كثيرًا ما نَزفت رُكبتاي ألمًا، وأَمطرت دُموع عينيّ حَسرة. وفوجئتُ يومًا بسَقطة كنتُ أتحسّبُ الجروحَ والألَم والحَسرة بَعدها، لٰكنّ أُناسي كانوا يميني، وشمالي، وأسفلي وأعلاي وورائي. تَهبّ الريّاح بما لا يشتهيه حَبل تسلّقي، لكنّهم مَعي. يتشبّثون، يمسِكون، يَدعمون. لا يتركوني وَحيدةً للهَاوية أسقُط. ولا أسيرةٌ للهُمومِ أُصبح. ولا مُكبلة بدموعٍ وآهاتٍ سَرمَدية تُكامِعني.

نَعم، كعكة الحَياة لذيذة، ومُتضاربة المذاق فِي لسَان التجارب. في القَضمة الوَاحدة تكونُ حُلوة أحيانًا، مُرة كثيرًا، حامضَة لاذِعة تارة. وتارات؛ تكونُ المذاقات غَريبة لَم تُصادفها مُسبقًا. تُضيف لجُعبة لسَان تَجاربك المَزيد مِنها، والمَزيد. 

ويَاه! كَم تَتضاعَف لَذاذتها مرّات، حِين أُشاركها مَع أُناسي، فِي سَمرةٍ للبَوحِ طويلة، وحَول نارٍ للمواسَاة لَهيبة.

لَستُ أقول أنّي أتركَ مَحبوبَتي، الوِحدة، بالطبع. فَهي قَصري المُريح في عالمي. لكن أُناسي، هم حديقَتهُ الشّاسعة، ومَهربي ممّا أخافه. 

لله درّكم، يا أُٰناسي.

حصّه.
السّبت،١٠سبتمبر٢٠١٦م.
١٠:٣١م.

هناك تعليق واحد:

  1. قطعة ادبية رائعة
    و مشاعر
    و حصيلة لغوية جميلة

    استمري

    و لا يتوقف تدفق الفن

    ردحذف