الليلةُ أنا وَحـدي. هذهِ المرّة لا أقومُ بعدّ النُجوم، ولا حتىٰ الذّكريات. الليلة أنا وَحـدي، وَحـدي فقط. بكلّ ما تحملهُ كلمةُ "وحـدة" من معنى، وكل ما تحملهُ الياء مِن ملكيّة. ملكيّة الأثقال التي تجرّني تحتًا، التي تجرّني جحيمًا، والتي تثبتني في مكاني.. بلا مضيّ.
الليلة أنا وَحـدي. أنا لا أعد النجوم، ولا الذكريات. أخبرتك. الليلة أنا وَحـدي بكلّ ما تحملهُ الكلمة من معنى، وَحـدي بكلّ وضوحٍ، وبكلّ ألمْ. بكل العبرات الخانقة والدموع المغرقة. بكل الأغطية الدافئة ورياح القدر الباردة، بكل الوسائد المريحة والكسور المؤلمة.
هذه الليلة أنا وَحـدي. لا أعد النجوم، ولا الذكريات، ولا.. هل نسيتَ بالفعل؟ أني وحدي. هذه ليلة من ليالٍ كثيرة أتوقف بها عن تمني رفقة. أتوقف فيها عن الرغبة بالأنس والألفة، لأن ما زال هناك الكثير لأألفه في نفسي الجديدة، الهزيلة، المهترئة، المحترقة، المهزومة، وأصادقه. لديّ الكثير لأراع منه وأطمئنه. لديّ الكثير لأصمد تجاهه والكثير لأستسلم أمامه.
هذه الليلة قريبة من الدرجة الأولى للثقب الأسود، تبتلع من الهموم الكثير ولا تشبع. قريبة من براكين هاواي، تتفجر حممًا كثيرة، ولا تنفد. هذه الليلة أختٌ لكل حريق اندلع، وكل حربٍ تفجرت، وكل بستان تآكل، وكل سفينة غرقت، وكل طائرة هوَت. وكل رواية مات صاحبها قبل أن ينهيها، وكل كل فيلمٍ اختلفت فرقته قبل انهاء موسيقاه وتفرقت، وكلّ سنّ سقط ولم يُستبدل بآخر، وكل كوبٍ مفضلٍ انكسر، وكل رَقصة لا يستمتعُ بها أحد.
في هذه الليلة أنا وَحـدي، لا أعدّ النجوم، ولا الذكريات.. هذه الليلة إعصارٌ من بعض الأعاصيرِ التي نَجوت منها. الأعاصيرُ التي أعتصرَت قلبي، وعقلي، ووجودي، وكياني، وكل ما جعلني أنا. الأعاصيرُ التي هدمت مملكتي، وومتلكاتي.
الأعاصيرُ التي كان عصيرها كوكتيلًا فاخرًا من الخسارات، التضحيات التي لا ثواب لها، المآسي التي لم يقف عندها الزمن، الجروح التي لم تضمّد فعَفنت، الكسور التي لم تُجبر فتشوهت.. والخجل والعار اللذان لا تكفّ نظرات شفقتك التسلل إليهم. كوكتيلًا من طراز الذي يتجرّعه بائسٌ مشرّدٌ في حانة لأنه لا يملك ليشتري أفضل منه. مجبرٌ مغصوب، مشمئزٌ، ساخط، حزين. وحيد.
الأعاصيرُ التي دارَت بي من أسفلها حتى أعلاها، من أحقر قطرٍ منها حتى أعظمها، الأعاصير التي لم تنتهِ، لكنها أنهتني. أو أنهت على الأقل ما كنت أحاول يائسةً إنقاذه.
هذه الليلة.. أنا وَحـدي. الآن أقوم بعد النجومِ، وحتى الذكرياتِ، لأن عدّ ما فات كان متعبًا أكثر من المتوقع.. مُرهقًا أكثر من اللازم.. أكثر من تعب العيش به وتحمّله، ومجاراته..
لا بَأس بالنجوم. هذه الليلة، مرحىٰ للنجوم.
حصّه, بعد انقطاع.
الأحد ٢١أبريل/نيسان٢٠١٩م
٢:٤٧ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق