الاثنين، 18 أبريل 2016

ثانٍ.

كم هُو مُتعب أن تَرغب في الكَثير، وأنتَ في إطارٍ من اللاقُدرة والعَجز. كم هُم مُخجل أنّك تُريدُ تَقديم الكَثير، ولكِن بلا حيِلة.

عَقلُك ومنطِقُك يَحثّانك على الاستسلام ولكن قلبَك روحَك مُتشبثّان متمسّكان بما آمنا به، أنهم يَستطيعون وأن قُدرتهم على البَذل والعطَاء تفوقُ أي قُدرة. 

أنتُما اثنين:
الأوّل؛ قادِرٌ بالفِعل، وطموحُك وثقَتك بِنفسِك في محّلها، وتستطيعُ تَقديمَ ما أردته. 
والثّاني؛ حالمٌ جدًا وبصخَب، تَخرجُ من إطارِ عجزك عن طريق خيالكَ هٰذه وأحلامك تِلك، دُون قُدرة حقيقيّة مِنك على تحقيقها.

في حالَة أنّك الأول، فهنيئًا، والثّاني، عزائي لَك، وأصدَق مُواساتي لأني أعلمُ ما تَشعُر بِه جيّدًا. 

الحلّ يا ثانٍ أن.. تُقدّم أكثر! نَعم! لا تتّخذ هٰذه الصّعوبة حجّة للتخلّي عن حُلمك، قِيل: العَمل الجّاد يغلبُ الموهِبة.

فاعمل بجدّ يا ثانٍ! فلذّة وصولك إلى ما طمحتَ له لن يُضاهيها لذّة، ونَشوة انجازِك لا يُماثلها نَشوة، وابتسامة خافِق روحِك حينَها كُلها اتّساع، وفَخر.

لَم يَخلقنا الله عَبثًا، وربّما أعطى ”الأول“ ذكاءً تَحمله معلوماتُ خلاياه لكنّ ثِق بعدلِه -تعالىٰ- يا ثانٍ، إذ أعطاكَ العَزيمة وأودَعها في فؤادِك في صُورة ”طموح“، ومَبدأ التّعويِض يَلعب دَوره بوُضوحٍ لا نَراه نَحن، لٰكن نَثق بِه، وبأنّ الله خَلقَنا مُتساويين، لا أحد أفضَل مِن أحد، وليس هُناك شَخص يملك أكثر ممّا يملكه آخر، وإن بدا ذٰلك؟ فالتّعويض في لِقاءِ الآخِرة، ألا تَثق؟!

ستَتحطّم كثيرًا يا ثانٍ، سَتبكي أيامًا، سَتندب حظّك في ليالٍ طويلة يُصاحبُك فيها دَمعُك وهمّك، لكنّك في النّهاية، سَتصل! ومَهما بدا مُبتغَاك مُستحيلًا فإن الوُصول لهُ مُمكن! لذا كُن مرنًا لا يكسركَ مطبٌ تواجهه ولا يُغرقكَ سيلٌ تصادمُه.

ثِق بَعدلِ خالِقك، فهو يَعلم ما صخَب صَدركَ به، وما غضّ مضجَعك، وغصّ بهِ حلقك عِندما حَاولتَ البَوحَ به، وغضّ عَين سَعادتك عَن كل شيء، هُو أعلم بدمعِك الذّي أغرق وِسادتَك، ورغبَتك الصّادقة بالعَطاء، هُو أعلم بمحاوَلاتِك الحَثيثة للوُصول، وعثراتِك المؤلمة، هُو أعلم كم تُجاهد نفسَك للغبطة دُون الحَسد، ودُون الضّرر، هُو أعلمُ بصِدق ما في رُوحك، هو العَليمُ الجَابر، فأعد اشعال حَماسِ مَكتب بَريدِ روحِك، وهلمّ إلى الدّعاء! طُرودك إلى السّماء ستَغدو سُلمات دَرج نَحوَ القمّة، وهِي كفيلة بأن تَجعَلك تَعيشُ حياةً بتفاصِيل تُحبّها. 

إن لَم يُجدِ، فعلّه خير، وعلّه ثُقلًا في ميزَان حَسناتك، وعلّه صدًا لبلاءٍ سيؤذيك ويؤلمُك، لا تَخب، فهو السّميعُ البصير، سامِع طرودنا وهَمسُنا -وحده-. 

ثِق بنفسِك، وقُدرتك علىٰ العطاء، وخالِقك قَبل كلّ هٰذا، وإليهِ تُرجَع الأمور، ليَختار خيرَها لنَا. 

رقيقُ الحِس، ناعِم القَلب، صَلب العَزيمة وصَلدُ الرّوح، هٰكذا أنتَ يا ”ثانٍ“، فثِق وأقدم. 

حصّه.
١٨أبريل٢٠١٦.
٩:٤٨م

هناك 4 تعليقات:

  1. خاطرة ملهمة جدًا ! جاءت في وقتها تمامًا .
    أحببت ذكرك للشخص بإثنان ؛ الأول و ثان :) .
    ذكرك لما حدث وسيحدث أمر أحببته ؛ تذكرينا بما سنواجهه باجتهادنا .
    وذكر مشاعر النقص كانت نقطة جميلة أيضا .
    استمري :) ، أتطلع لقراءة المزيد منك.
    أعاننا الله ويسر سبلنا جميعًا .

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لكِ! وأنا أيضًا كنتُ في أمسّ الحاجة لكتابة مِثلها, ففعلت.
      باذن الله سأستمر بدعمكم, وفقنا الله جميعًا لما يحبّه -سبحانه- ويرضاه
      وشكرًا على تعليقكِ اللطيف ~

      حذف
  2. إلهي T^T!
    كم كنت بحاجة إلى كلمات تُربت عليّ...
    لطالما كان موضوع "الذكاء" يؤرقني!!
    إنني وبلا شك من الصنف الثاني.. أجتهد كثيرًا بنتائج قليلة وليست مرضية.. رغم هذا لم أتذكر أنني استسلمت يومًأ.. ولطالما تساءلت عن السبب.. لا شك.. خاطرتكِ أتتني بالإجابة.. أنا موقنة حقّ اليقين أن عزيمتي أقوى من أي شيء آخر... إلهي ما أعدلك!
    قرأت خاطرتك مع آذان الفجر.. ورددت في نفسي.. الله أكبر.. الله أكبر ..
    شكرًا لمخاطبتي, شكرًا لإعطائي دافعًا.. شكرًا لأناملك التي خطت أملًا ... 3>

    ردحذف
    الردود
    1. الاجتهاد, حياة! من يعيش مثلنا, ويقتات عليه وعلى لذة نتائجه يعلمون ما نشعره جيدًا! لكل مجتهد نصيب, والرب لا يضيّع أجر عامل 3> الشكر لك وللطافتك.

      حذف