السبت، 19 نوفمبر 2016

ياربّ.

أمضي قُدمًا، ثم أتعثر وأقع. أنهض مُجددًا، وأمشي مرةً أخرى، لأسقط. أتسلق الجبل وأهبط، وحبلي يتمزق، ولا سندٌ خلفي ولا ريحُ البلاء ترحمني. حتى جُوريتي أنبتت أشواكًا وأدمت أناملي، وحتى قلادتي الذهبية اللامعة باتت كالطوقِ يخنقني. وحتى أساور الإصرارِ أصبحت تكبّلني، ونواقيس النجاح تلعنني . 
-ياربّ. 

في ليلةٍ سوداء تلّبدت الغيوم في سمائها فزادتها رُعبًا، والرّعد يطرب في الأذن الخوف والبرق يخترق كل أمنٍ تأمله العيون، وروحي على رصيفٍ موحل، مشّردة من المعنويات، وكلّ ما يمرّ يشفقُ عليّ، أنا التي كنت أشفقُ عليهم جميعًا وأمدهم بالقوّة أشدها والمعنوياتِ أعلاها. ياه، كيف غدوتُ هكذا؟، كمّ التهمني الزمن، أحكم قبضته عليّ ثم وضعني بين فكيه، مضغني بقوّة مرةً تلوَ مرة، حتى غدوتُ رفاتًا بصقهُ بحقارة، لكنه تناسى أن يمضغ إحساسي مع أحشائي وتناسى قتله لأُعذب أضعافًا، من قال أن هذا لم يكن مؤلمًا؟ من قال أن جسدي لم يشعر بكل غرسة سنٍ في جلده، ولم يحسّ بألم السقوط بعد أن بصقه أسفلًا، من قال أن صدى ألمي لم يخترق السماء، ومن ينكر أن أنيني سمعه النمل في جحورهم وآلم قلبّ العقاربّ؟ دموعٌ حارّة من جوفِ العينِ تسللت، ثم صرخة:
-ياربّ.
دَوَتْ.

يؤلم كثيرًا، أن أكون هٰكذا، وحيدةً وبلا حيلة. مؤلمٌ جدًا أن أُترك في الخلف، وفي الأسفل، وفي القاع. المؤلم أنكِ لستِ هنا -يا معنويّاتي- ولا الحيلة. المبكي أنك لستَ تتحقّق يا حُلم ولا الأماني. 
-ياربّ.

لكنّ الليلة السوداء الحالكة لم تطل، إذ عرّاها إشعاع شمسٍ حنون من ثوب التلبّد الذي ارتدتهُ سمائها، ليجرّ خلفَه شعاعًا تلوَ الآخر، ثم الشمس بأكملها. ثم ظهرت قطرات المطر القويّ المخيف الذي كادَ أن يقتلع الأشجار بسيلهِ، لآلئًا على الأوراقِ الخضراء السُندسيّة.

ثمّ بدأت المعجزة. في زاوية مَسرح البؤس حيثُ بصقني الزمن، اجتمعت الأشلاء المقطعة، وجُبرت العظامُ المكسورة، وشُفيت الجروح العميقة، واختفت النُدبات البشعة، برحمةٍ من الله. 

ما لا يَقتلك، ولا يقتلع جذورك، يجعلك أقوى وجودًا، وجذورك أكثر تمسكًا، والحياة للأقوى، فهيّا! أوصلني لخط الموتِ يا زمن! ثمّ رحمةٌ من الله ستنعشني! وسأصبح أقوى، وأكثر وحشية لمواجهة هذهِ الحياة بأدغالها الموحشة، وأكثر عشوائية في نظامِها وأكثر همجية في آدابها. الحياة لُعبة تُدعى البقاءُ للأقوى، والأجدر على العطاء رُغم الانكسار هو الفائز. 


حينَ قُلت: «ياربّ» لم أكن يائسة من ردّ الرّب، ربّ المعجزات، جامع الأشلاء المفرَّقة، جابر الكسور العنيفة، شافي الجروح الأليمة، الرحيم العليمُ بشلالاتِ الحزنِ التي أنهكت قلبي. ياربّ، وما خابَ من قالها، وما خُبت يومًا بعد قولها، النداءُ الإلهي الذي ما كللتُ يومًا انتظار ردّه، فـ«ياربّ» دومًا وأبدًا، حتى تُنهك روحي ممّا يقدمه لي الزمن، وحتى يوصلني إلى ما بعد خطّ الموت، الموت نفسه، حيثُ لا عودة إلى الشقاء، ودوامٌ إلى جوار ربّي الكريم. فياربّ حينها إلى الجنة، وياربّ الآن تيسيرًا لما أنهكَ روحي طويلًا.

حصّه
السبت، ١٩نوڤمبر٢٠١٦
١١:٤٢م.

السبت، 10 سبتمبر 2016

القَصر، والحَديقة.

قَد تعلمتُ مِن حياتِي القَصيرة، أنا التّي قَاسيتُ الشيخوخَة فِي سَنواتِ براعِمي -وليسَ حتىٰ زُهوري!- أن الوِحدة هِي النجَاة، وقانونٌ في فيزياء الحَياة يَنصّ بكلّ وُضوح: ”راحةُ المَرء تَتناسبُ عَكسيًا مَع عَدد الأشخاص المتدخلين بشؤونه“.
فَما أجمل الوِحدة، ومَا أجمل الاختلاء بهُمومي، والله -ربّي- ثالثُنا.

وَحدك، وربُّك، أعلَم بما أشغَلَ قَلبك وظُنونك طويلًا. بَعيدًا عَن أحَاديث النّاس المُسهَبة كثيرًا، المُنافقة بجَدارة.

لٰكنّه -تَعالىٰ-، يُسخر الأمرَ، والنّاس. يُسخر أولٰئك الذّين يَنتشلونَنا مِن وَحل هَواجس الحُزن. الذّين يمدّون سَواعدهم المورِقة لكَ إيثارًا عِند سُقوطك. الذّين يسرجون بكلماتِهم وميضًا في أحلَك فَتراتك. 

الوِحدة جَميلة، هٰذا ما ظننتُه، ولا أزال أظنّه. وما زلتُ أعتنق مَذهب الوِحدة، وأُقدّسها وأثملها. لٰكن طَعم وجودِهم فِي حياتي، هُو نَبيذٌ اكتشفته. وسُرعان ما أدمنته وثمالَته.

لسَنواتٍ طويلة، سرتُ هيامًا وراء الوِحدة، لسَنوات، جَعلتُها سِراجي في كَهف الحياة، ولا أزال. لٰكنّهم -أُناسي- يراعاتي اللي تومِض بحنان، في أحلكِ زَوايَا هذا الكَهف.

مَشيتُ نُزهاتٍ هَادِئة طَوِيلة فِي بَساتين السّعادة، وَحيدة. لكنّ اتضحّ أن أُناسي هُم أزهارُها، التّي تضيفُ إليها حياةً، ورونقا.

تَسلقتُ جبالَ الصّعوبة وَحدي كثيرًا، اختليتُ مَع القَسوة وحَبل الصّبر أَنيسُنا. كثيرًا ما خَاب التسلّق. كثيرًا ما سَقطت. كثيرًا ما نَزفت رُكبتاي ألمًا، وأَمطرت دُموع عينيّ حَسرة. وفوجئتُ يومًا بسَقطة كنتُ أتحسّبُ الجروحَ والألَم والحَسرة بَعدها، لٰكنّ أُناسي كانوا يميني، وشمالي، وأسفلي وأعلاي وورائي. تَهبّ الريّاح بما لا يشتهيه حَبل تسلّقي، لكنّهم مَعي. يتشبّثون، يمسِكون، يَدعمون. لا يتركوني وَحيدةً للهَاوية أسقُط. ولا أسيرةٌ للهُمومِ أُصبح. ولا مُكبلة بدموعٍ وآهاتٍ سَرمَدية تُكامِعني.

نَعم، كعكة الحَياة لذيذة، ومُتضاربة المذاق فِي لسَان التجارب. في القَضمة الوَاحدة تكونُ حُلوة أحيانًا، مُرة كثيرًا، حامضَة لاذِعة تارة. وتارات؛ تكونُ المذاقات غَريبة لَم تُصادفها مُسبقًا. تُضيف لجُعبة لسَان تَجاربك المَزيد مِنها، والمَزيد. 

ويَاه! كَم تَتضاعَف لَذاذتها مرّات، حِين أُشاركها مَع أُناسي، فِي سَمرةٍ للبَوحِ طويلة، وحَول نارٍ للمواسَاة لَهيبة.

لَستُ أقول أنّي أتركَ مَحبوبَتي، الوِحدة، بالطبع. فَهي قَصري المُريح في عالمي. لكن أُناسي، هم حديقَتهُ الشّاسعة، ومَهربي ممّا أخافه. 

لله درّكم، يا أُٰناسي.

حصّه.
السّبت،١٠سبتمبر٢٠١٦م.
١٠:٣١م.

الاثنين، 25 يوليو 2016

30.6.16

وتحققّ الحُلم! نعم! تحقّق أخيرًا، وبعد طول انتظار.
   
مُنذ نعومة أظافري -والتي لا تَزالُ ناعمة- وأنا أُجيب على سؤال «شنو تبين تصيرين لما تكبرين؟» بـ«دكتورة!»، هذا قَبل أن بدأتُ أُفضّل لفظ «طبيبة»، وبلا أدنىٰ تردّد، ولا شَك، ولا خَوف، إما طبيبة، أو لا شَيء.
كنتُ -ولا أزال- أُقدسّ الخطط البَديلة، إن لَم ينفع هٰذا فَهُناك دومًا ذاك! لٰكن، لم أجد لك بديلًا يا حُلمي! 

عِندما هَممتُ أن أُدخل رَغباتي في طَلب الالتحاق للجامِعة، الرغبة الأولىٰ «كلية الطب» ثم أصبح رأسي فارِغًا وفاهِي فاغرًا! هَممت أضع الرّغباتَ أسفَل الأولىٰ بعشوائية، لَم أحبّ غَير الطبّ، ولم أرغب بغير الطب، ولا أريد غيرهُ حياةً ومِهنة، وعَطاء!

بدوتُ واثِقة عندما كنت أكتبُ «د.حصّه» أو «Dr.hissa» على كُل ورَقة تَقع عينيّ عليها، كُل أحلامي تُخترل في الدّال تِلك! 

أعلمُ أنّ بُنيتي ضَعيفة لِلغاية، يَدي صَغيرةٌ جدًا ربّما لا أجد مُستقبلًا قُفازًا لها، طولي يكادُ لا يُرىٰ ويتعدّاه طلبة الابتدائية، عوائقٌ شكليّة عديدة، ونَقد ممّن حَولي كثير، فهَل أنثني؟. 

مَخاوِف كثيرة، إنهنّ سبعُ سنوات! سبع! هَل سأجتازُهم جميعًا بلا فَشل؟ هَل سأصِل لخطّ النّهاية بنفسِ الهمّة هذهِ؟
همّة، همّة عاليَة ياربّ، أقفز بِها عَن كلّ سور، وأعدو بها عن كلّ خَوف، وأتنفّسُ بها عَن كل اختناق.

أعلَمُ أن القَادم صَعب، لٰكن عدم تَحقيقِ هذا الحُلم -حَتمًا- أصعَب، فلَم أُخلق لغيرهِ.
ولَن أُحلّق لدونِه! 

أغمِضُ عينيّ، لأتخيّل صورةً لي، أرتديتُ الـ«سكرب»، ومعطفي الأبيض، وزَيّنتُ رَقبتي بسمّاعة، أجولُ في مشفىٰ وأركضُ في أروِقَتِه.

أنا الآنَ كطيرٍ، يُحلقُ بتيهٍ ولَهفة، يختَرقُ سحابةً تلوَ أُخرى، ينتظرُ أن يَصل إلى ما لَم يصل به مَن قبله.

حُلمي الصّغيرُ وَليدي، ستَغدو كبيرًا يومًا -بإذن الله-.

Medicine is only for those who can't imagine doing anything else.


تدوينة للذكرى كي لا أنسى يوم وَصلني قُبول الجامعة-كليّة الطب ٣٠/٦/٢٠١٦.

حصّه
السّبت، ٢يوليو٢٠١٦.
٣:٢٢م.

وَداعًا، يَا ضَعيف!

غارِقة في الدّموعِ، والنّياح. أتمنى الخلاص والحُرية، أريدُ التي عَهدتها، أريدُ حياتي التّي أحببتُها.

أعلمُ أنّ الحياةَ مُتقلبة، ولٰكن، ما بالُ هٰذا التقلّب الجبّار؟ الذّي كسّر كُل بيوتِ سَعادَتي كطوفانٍ أخرسٍ سِوىٰ عَن كلّ ما يُنزل دُموعي! 

أردتُ الخلاص، فاتخذتُ الهُروب طريقًا، أريد الخلاص، اعتقني يا قَدري، ولا تَلمني كثيرًا. 

تصنّعتُ القوّة، في حينِ لم يكن فِي قَلبي سِوى كلّ ضعفٍ وخَور، كلّ تَعب ومَرض، كُل خَوفٍ وفَزع.

ربِّ، أنتَ تَعلم! وَحدكَ يا الله تَعلم! تَعلمُ أن قَلبي أُنهك طويلًا، وأن نَفسي توقّف مُنذ أشهر، حتّىٰ مُتّ وتَحلّلت أحشائي، سوى قَلبي الضّعيف، مَازالَ يَنبُضُ حُزنًا، قَلبي المرِيض، مازالَ ينبُضُ ألمًا، قَلبي الخائِب، مازالَ ينبُضُ حَسرةً، ومازالَ يتصنّع القُوة، والحَماقَة المُسماة «إيجابيّة».

كفاكَ تَصنّعًا! كفاكَ نُفاقًا! كفاكَ تمثيلًا، لَم يَعد لكَ دورٌ فِي مَسرَحيّة الحَياة، بَعد أن فَشلتَ فِي كُل اختباراتِها وتجارُب الأداء الخَاصّة بِها، فَشلتَ فشلًا ذريعًا، فانظُر إليكَ هاويًا مِن شُرفات الجِنة إلى أعماقِ الجَحيم

وَداعًا يَا ضَعيف، وَداعًا يا قَلبي، مُتّ أنتَ فَمن لي؟.
مُتّ يا قَلبي، فغَدوتُ الآن  هائمة بلا هُدًى، عَن كُلّ ما يُذّكرني بما أمَاتك، بما قَتلك، وبما هَوىٰ بِكَ إلى أعماقِ الجَحيم.
وَداعًا، يَا قلبيَ ضَعيف!


حصّه.
الخَميس،٢٣يونيو٢٠١٦.
٥:٣٦ص.

الأربعاء، 15 يونيو 2016

ظننتُ.

ظننتُ أنّني تخطيّتهم، مَن آذوني كثيرًا. ظننتُ أن خُطايَ سبقتْ خُطاهم، أخيرًا، وبَعدَ جُهدٍ حثيثظننتُ أنني طمَستُ قُربهم، ومَحوتُ حدودهم، وفَرحتُ كثيرًا بهٰذا الظّن، ما زَادَ حَياتِي بهاءً، ورَوعة، ومحيّايَ رونقًا ونُضرة!

وأنَا ثابِتَة عِند ظَنّي، وأنتَ عِند حُسنِ ظَنّي بكَ يا ربّي! 

نَعم، أنا عِندَهُ، ثابِتة رَاسخة، رُغمَ مُكامَعة الشّكوكِ لعَقلي حينًا، والخَوفُ الذّي يَعتري قَلبي أحيانًا كثيرة، بأنّي ما تخطّيتُهم قطُّ وما نَسيت. 

قلتُ لهُ يومًا: ”لَن أستطيعَ النّسيان“، 
فردّ عليّ:
”ومن قَالَ لكِ انسي؟ 
النّسيانُ للخَونة، وأنتِ أطهر كثيرًا مِنهم. فقطّ، غيّري مكانَهم في الذّاكرة، اعشقي بُعدهم، وابقي عِند حُسن الظّن، بالصّمود.

لا تنسَ يا أيّها البَاكي، ولا تَدمعي يا حازِنة. فقطّ، استبدلي الحُجراتَ في الذّاكرة، وهلّمي إلى العِنادِ على ناصيةِ الصّمود!

سَنصمدُ طويلًا، في وَجه أعاصِير الحنين وطوفانِ الرّحيل، سَنصمدُ تحتَ ضغطِ البُعدِ وفوقَ نَارِ الحُزن، سأصمدُ طويلًا، وجميعًا.

لَن نشحَذ الحُب، ولا الرّحمة، ولا البَقاء، ولا الحَنان، ولا الاهتمام ولا حتّى نِصف شطيرتهم! بل سَنصنعُ شطائر ألَذ مِن عزائِمنا، مِنّا وإلينا، وَحدنا.

أصدِقاء لأنفُسِنا سَنغدو! أصدِقاء قُرباء جدًا، يَفهمون ويَستمعون، يَضحكون معًا ويَدمَعون، يَنصحون ويُرشِدون، أصدِقاء كهٰؤلاء لأنفُسِنا سَنكون، أطهَرُ صَداقة، وأعندَها على البَقاء والدّوام.

”دائمًا ما كنّا نَبحثُ عن توائم أرواحِنا، هَل فكرنَا يومًا بالبَحثِ عن أرواحِنا؟“



حصّه.
4مايو2016.
9:02م.


أحلام.

اشتريتُ من السّوقِ الحُرة في مطار جدة ”أحلام“، أحلام هي دُمية سَمراء مِثلي، ترتدي مِعطفًا أبيَض مِثل ما أتمنى. وسمّاعةٌ وَرديّة مُحاكة بلطافة حَولَ عُنقها، أصريتُ كثيرًا أن أشتريها، رُغم سِعرها الغالي نسبيًا، لكنّني رأيتُني فيها، حقًا.

أسمَيتُها أحلام، لما أودعتُ في هٰذه الرحلة عُند الله تَحقيق أحلامي الكثيرة، أحلامي المُرهفة، أحلامي الطُفوليّة، أحلامي اليائسة، أحلامي الشقيّة، أحلامي البائسة، أحلامي السّعيدة، أحلامُ حصّه اللانهائية

حُلمٌ اقترب، وأزدادُ خَوفًا كلما ازدادَ قُربًا. قلقٌ يَعتصر قّلبي، لو أتخلى عَن تفكيري الزائد الذّي لا يَبني ولا يَهدم قليلًا، قليلًا فَقط! 

الخوفُ مِن القَادِم، الخَوفُ مِن المَجهول، الخَوف من الجَانِب الضبابّي الذي مازالت رُؤيتي لَه غَير واضحة حتّى الآن، الخَوف مِن المَصير.

الخوفُ من أن تَتحطّم أحلامي، من أن تَتهشّم تَحت مَظلة الوَاقع، الخَوفُ من الخَيبة، التي استحلّت كلّ أمورِ حياتي، هّل لأنّني أتَوقعُ العالي؟ أم لأن.. هِي ما هِي، والرّبُ كرِيم، وفي كلٍ الخيرة!

أحلام، لا تَكوني شقيّة، هيمي وحلّقي بهدوء، ببطء، إياكِ والعَجلة، أحلام! 

أحلام الشقية، أحلام التّي تَحمل مُقلتها كُل أمل أراه، أحلام، كوني مُتطلعة، أحلام، لا تَتوّقّفي، عَن التّحقق.

حصّه
الثلاثاء،١٤يونيو٢٠١٦.
٥:٤٨م.

رِحلةُ روحٍ.

خطّ النهايةِ بدا بعيدًا، لٰكنّني وَصلتُ رُغم ذلك، خُطواتي كانت كئيبة مُتثاقلة، لٰكنها وصلت إلى المُبتغى، وحطّت علىٰ المُراد.
تعبتُ كثيرًا، سَهرتُ طويلًا، ثم أنهيتُ المرحلة الثانويّة بنجاح أسعد مَن حَولي كثيرًا؛ ما أسعدني أكثر من نتيجة أتعابي نَفسَها. 

كَم أمقُتُها، نَفسي الطموحة، بلا شَك، لم تُعجبها ما أحرزت من نتيجَة، لٰكنني أسعىٰ لمجاهدتها، وللقَناعة بما أنجَزت، وما كتبهُ اللهُ لي مِن نَصيب، فهو العَليم بكلّ ما بَذلت، وهو العادِل وَحده، يَعدل بينَ البَشر، يُعطي ويَأخذ، ليتَساوىٰ خَلقه بطرِيقة تَفوقُ تصوّراتنا وعُقولنا، نَعَم.

شددت الرّحال، في أوّلِ أيّام رَمضان الحَبيب المنتَظر، إلى أطهَرِ بِقاعِ الأرضِ، راجيةً طهارةً لروحي، ونقاءً لقلبي المُرهق، مِمّا ألمّ به من ألمٍ في فَترةٍ لم تكن بالقصيرة، أحسّ بِها فُؤادي بِما لم يُحس بِه أبدًا.

أعوامٌ مَضت، مُنذ أن رَأت عيّني الكعبة لأوّل مرّة، رُبّما عَشرة، لكنّ اللّهفة نَفسها، والنورُ نفسه. أعوامٌ مَضت، والرَّوحانيّة نفسها! 

طُفتُ بيتَه -تَعالى-، رُغم الازدحَام الشّديد، والحَر القَاتل، كانَ طوافًا كالدّواء سالَ على رُوحي المرِيضة، وكحَماماتِ الأعراسِ النقيّة حطّت على قَلبي مُداعبةً إياه. 

ياه! ألوانٌ مُختلفة، أعراقٌ مُختلفة، عربيّ هنديّ أعجميّ أفريقيّ آسيويّ! فرّقتهم أشكالُهم ونطاقَاتهم لٰكن سُرعانَ ما جَمع شتاتهم الحَرم ولَملَم فِراقَهم الصّحن الوَاسع! 

أُرهِقت عيناي. لا أعلم أينَ يَجب أن تنظر! مَلهُوفةٌ لرؤيةِ كُل زاوية، كطفلٍ أدركَ رُكن السّكاكر، أتُرى إلى زَخارِف الكعبةِ الذّهبيّةِ التي نَحتت على مَرآيَ جمالا؟ أم إلى الأقدام مُختلفةِ الأحجامِ والألوانِ، التي تمشي جميعًا على بلاطٍ أبيضَ بارِد، نعم! حتّى الأقدام! في تِطوافِها سحرٌ مُهيب! تنظر إلى الخُطواتِ المُضطربة، هذا أرهقه البوحُ بالدعاء، وذاك خاشِعٌ مترددّة خُطواتُه، لا يَرغب بمواصلةِ المسيِر، والانتهاءِ مِن هٰذه الشّعيرة! وقَدمٌ صغِيرة، أرفَع ناظري لتحطّ على يَدِهِ  التي تُحكم والدتهُ الإمساكَ بها! ما أحنّ قَلبَكِ يا أم، وما استوقَف ضَميري وشتّت أعصابِي أنّني الآن بَين يديّ مَن هُو أرحمّ عليّ من هٰذه الأم عَلى ولدها! والمُرضع على رضيعها! رُحمتك يا الله، وَسعت هٰذا الكون! تَرزق مَن في الجُحورِ ومَن في السّماء! يَخرجُ الطيرُ من عُشه جائعًا ظامئًا ويعودُ ليلًا هنيئًا برزقٍ كتبته لَه، ارزُقنا يا الله! ارزُقنا يا الله كنا تَرزق الطّير.

ما ألهَب غبطَتي هي رِجلٌ وَحيدةٌ تَقفِز، قَد بُترت أختها، لكنّها -ومَع ذٰلك- مَازالت عطِشة للطوافِ بنفسِها، ياه. وآخر يمشي مُلبيًا! بشجاعةٍ يُهروِل! وتَسمعُ الجَماعاتِ تَهتف بأدعيَةٍ مَأثورة، وأبًا يُلقّن صغيرَهُ تلبيَاتٍ مَسرُورة، تَفرّقَ المسلمون، وجَمعتهم مَكة.

مسعاكِ يا هَاجر، مِن الصّفا إلىٰ المروة! لَم يكفّ عقلي عَن تخيّلكِ تُهرولين في صحراءٍ قَاحِلةٍ جرداء تَعرّت مُن وسائل الحياة بين جَبلين، وأسمعُ في خيالي بُكاءً لإسماعيل وليدكِ! مَسعاكِ يا هاجر، الله أكبر، الله أكبر.

رَشفةُ طهارةٍ مِن ماءِ زمزم، نَقّيتُ بِها أحشائي المريضة، وجَسدي الهزيل، أمدنّي بقوّةٍ، وصوتكِ الفرِح يا هَاجر (زَمْ-زَمْ) يصدَحُ في خَيالي. 

عُمرةٌ طهّرت رُوحي، ونقّتها من عَبراتٍ خنقتها طويلًا، مِن همومٍ تاهَت بحسرتِها، إلٰهي الرّحيم تقبّل، واكتُب لنا الثّواب.

أيامٌ قَضيتُها في أم القُرى، نَحتت في قَلبي الراحة كمَا نُحتت مَعاني القوّة في جِبالِها، أطهرُ بُقاعِ الأرضِ أتيتُكِ مريضَة مُتعبَة، وها أنا أعودُ لدياري مُعافاةً صَحيحة.

رِحلةُ روحٍ لا جَسد، رِحلةُ روحٍ لا جَسد، رحلةٌ لقلبي جعلتها تشرئبُّ لسَابِع سماءٍ للروحانيّة، والنّقاء.


مُعلّقة في السماء، بَين المملكة العربيّة السعوديّة والكويت، حَاولتُ الكتابة قليلًا رُغم ما يُصيبني مِن انعدامِ الأفكار والـ"writer's block", لأحرّر روحي من دَهشةٍ لازمَتها.


حصّه.
الثلاثاء،١٤يونيو٢٠١٦.
٥:٣٣م.

الأربعاء، 27 أبريل 2016

للأمَاكن، أروَاحٌ.


مَضى زمنٌ مُذّ أن قمتُ بالكتابة، وعيني تَدمع. 
قِيل: ”للأماكِن، أرواح“ وأنا موشِكة على مُفارقة الروحِ التي احتضنتني وصَديقاتي لسنين.
لرُوح البهجة تِلك، المُشاغبة، المَرح، المؤازرة، المُساعدة، التّكاتف، لرُوح الطّفولة الممزوجة بالنّضج اللذيذ، لروح المَدرسةِ وأيّامها. 

أتذكرُ شُعوري في أوّل يومٍ مدرسيٍّ لي، ذّيل الحصان الذي زَيّنت أمّي شَعري بِه، الحَقيبة الوَرديّة على شخصيّات ”پراتز“ التّي كنت أفضّلها، نَبضات قَلبي السّريعة والتّرقب، وذلك الحِوار الذي دار في السّيارة.
«ماما، أي صّف أنا؟»
«أولى ثالث»
«يعني ينكتب جذي؟» ثم أنقش على نافِذة السّيارة أرقامًا مُضحكة، رَقم واحد مِعوجّ وثلاثة بأربعَة سنن، وأمّي تَضحك وتُجيبني: «إي، جذي».

أتذكرُ حينَ دَخلتُ فَصلي، أولى ثالث، وزميلاتِي تُعانق رؤوسهُن أطوِقة جميلة، وشرائط مُرتّبة، وبَعضنا أكتفت بشعرِها مَسدولًا وأخرى فضّلت الجَديلة الطّويلة، أفواهٌ فاغِرة، دموعُ بعضهُن وصِياحهن، ابتسامَة فَخر أمّي، ابنتها الكُبرى دخلت المدرسَة أخيرًا، أمَلُها. 

لإثنتي عَشرة سنة، كنتُ أبدؤهم جميعًا بالحَماسِ نفسه، بالتّجهيزات والقُرطاسيّة اللّطيفة، بالآمالِ الكبيرة، ثُم أُكافأ على اجتهادي بحَفلة تفوّق مُبهجة، اثنتا عَشرة حَفلة تفوّق، وثلاثُ تتويجات لِلقب ”ملكة الأخلاقِ“ كلَّ عامٍ مُنذ دخولي للثّانوية، فهل هوَ الوَداعُ لكل ما سَبق جميعًا؟
لبسُ المدرسة الموَحد المُضحك، الجوارِب لا بُدّ لها أن تكونُ طويلة والحِذاء أسود، أظافركِ مُقلّمة ووجهُكِ عارٍ من مَساحيق التّجميل، رغُم ذلك كنتُ أراكِ جميلة جدًا يا صديقتي، ويا صديقاتي. 

أتذَكر الحُوارات الجدّية في الممرات، حينَ كنّا نَعزلُ أنفسنا في فُقاعة عَن ضوضاء الفُسحة، وأتذكّر تمشّينا خِلسةً فيهم مرّة أخرى، هُروبًا مِن حصصٍ نستثقِلها وموادٍ لا نُطيقُها بدأتُ أهيم بِها حُبًا الآن! أتذَكرُ جيّدًا، ولَن أنسَى. 

أتذَكر أيّامَ الاختباراتِ والتّوتُر، نواسِي بعضنا إن أخفقتنا ونَفرحُ لنَجاحِنا جميعًا، أتذكّر حين كانت المُعلمة تُخبرنا بأنّها سَوف تَجمع الدّفاتِر/الكُتب قريبًا، دفاتِرنا وكُتبنا التّي أهملناها، لِننكبّ كالسّيلِ إلى نَقل ما فاتَ وما نقص، وبَعضنا لا تُبالي. مُعلماتنا اللاتي أعطونا مُهلاتٍ طويلة، للحِفظ والتّسميع، لتسليم المَشاريع والدَّفاتِر، إلى اللاتِي رَغبنَ بمصلحتي في كُل حين، ولم يَرغبن بغيرها إطلاقًا، إلى اللاتي عاملننا كبناتهن وأخَواتهن، كلّ الشُكرِ والامتنان.

سأشتاقُ إلى السّبورة البَيضاء وإلى العصاة الخَشبيّة الطويلة، سأشتاقُ إلى هَمساتنا في الحِصص والرسائل بيننَا، سأشتاقُ إلى كلّ ذلك، وها أنا بدأتُ أكرّر كلامي، ديباجَتي التّي كررتُها طويلًا مُنذ أوّل يوم في هٰذه السّنة، ديبَاجة الفِراق.
نَعم، للأماكِن أرواح يا صديقاتي، للأماكِن أرواح.
ونَحنُ نوشِك على فِراقِ أجمّل رُوح، رُوح المدرسة، عرفتُ قيمتها وربّما البَعضُ منكنّ تَجهلها، لكنّ ستَعلمونَ يومًا ما كتبته، أنها الرُّوحُ الأجمَل، «والأنقَـى». 

لنبكي بِصمت، وَقفة عَزاء لهٰذه الرّوح التي أوشَكت أن تموتَ، وَقفة حِداد على الأيّام الصّافيّة التّي لَن تَعود. 

وابتسامة! لاستقبال زائرنا، مُسقبلنا، ابتسامةٌ على المحيّا كبيرة، إلى الحياةِ الجَديدة، التي فَتحت لنا بابها تِلك الرّوح. 
ابتسامة. 


كُتبت في ٢٧ أبريل ٢٠١٦، اليوم الذّي يَسبق آخر يوم دراسي في الصّف الثّاني عَشر. 
رُبما خانني التّعبيرُ وربّما زلّت قريحتِي ولم تكن في ما كتبتهُ المرجوّة والمطلوبة، لٰكنّها زوبَعة المَشاعِر وما تَفعل.

حصّه. 
١٠:٥٧م

الاثنين، 18 أبريل 2016

ثانٍ.

كم هُو مُتعب أن تَرغب في الكَثير، وأنتَ في إطارٍ من اللاقُدرة والعَجز. كم هُم مُخجل أنّك تُريدُ تَقديم الكَثير، ولكِن بلا حيِلة.

عَقلُك ومنطِقُك يَحثّانك على الاستسلام ولكن قلبَك روحَك مُتشبثّان متمسّكان بما آمنا به، أنهم يَستطيعون وأن قُدرتهم على البَذل والعطَاء تفوقُ أي قُدرة. 

أنتُما اثنين:
الأوّل؛ قادِرٌ بالفِعل، وطموحُك وثقَتك بِنفسِك في محّلها، وتستطيعُ تَقديمَ ما أردته. 
والثّاني؛ حالمٌ جدًا وبصخَب، تَخرجُ من إطارِ عجزك عن طريق خيالكَ هٰذه وأحلامك تِلك، دُون قُدرة حقيقيّة مِنك على تحقيقها.

في حالَة أنّك الأول، فهنيئًا، والثّاني، عزائي لَك، وأصدَق مُواساتي لأني أعلمُ ما تَشعُر بِه جيّدًا. 

الحلّ يا ثانٍ أن.. تُقدّم أكثر! نَعم! لا تتّخذ هٰذه الصّعوبة حجّة للتخلّي عن حُلمك، قِيل: العَمل الجّاد يغلبُ الموهِبة.

فاعمل بجدّ يا ثانٍ! فلذّة وصولك إلى ما طمحتَ له لن يُضاهيها لذّة، ونَشوة انجازِك لا يُماثلها نَشوة، وابتسامة خافِق روحِك حينَها كُلها اتّساع، وفَخر.

لَم يَخلقنا الله عَبثًا، وربّما أعطى ”الأول“ ذكاءً تَحمله معلوماتُ خلاياه لكنّ ثِق بعدلِه -تعالىٰ- يا ثانٍ، إذ أعطاكَ العَزيمة وأودَعها في فؤادِك في صُورة ”طموح“، ومَبدأ التّعويِض يَلعب دَوره بوُضوحٍ لا نَراه نَحن، لٰكن نَثق بِه، وبأنّ الله خَلقَنا مُتساويين، لا أحد أفضَل مِن أحد، وليس هُناك شَخص يملك أكثر ممّا يملكه آخر، وإن بدا ذٰلك؟ فالتّعويض في لِقاءِ الآخِرة، ألا تَثق؟!

ستَتحطّم كثيرًا يا ثانٍ، سَتبكي أيامًا، سَتندب حظّك في ليالٍ طويلة يُصاحبُك فيها دَمعُك وهمّك، لكنّك في النّهاية، سَتصل! ومَهما بدا مُبتغَاك مُستحيلًا فإن الوُصول لهُ مُمكن! لذا كُن مرنًا لا يكسركَ مطبٌ تواجهه ولا يُغرقكَ سيلٌ تصادمُه.

ثِق بَعدلِ خالِقك، فهو يَعلم ما صخَب صَدركَ به، وما غضّ مضجَعك، وغصّ بهِ حلقك عِندما حَاولتَ البَوحَ به، وغضّ عَين سَعادتك عَن كل شيء، هُو أعلم بدمعِك الذّي أغرق وِسادتَك، ورغبَتك الصّادقة بالعَطاء، هُو أعلم بمحاوَلاتِك الحَثيثة للوُصول، وعثراتِك المؤلمة، هُو أعلم كم تُجاهد نفسَك للغبطة دُون الحَسد، ودُون الضّرر، هُو أعلمُ بصِدق ما في رُوحك، هو العَليمُ الجَابر، فأعد اشعال حَماسِ مَكتب بَريدِ روحِك، وهلمّ إلى الدّعاء! طُرودك إلى السّماء ستَغدو سُلمات دَرج نَحوَ القمّة، وهِي كفيلة بأن تَجعَلك تَعيشُ حياةً بتفاصِيل تُحبّها. 

إن لَم يُجدِ، فعلّه خير، وعلّه ثُقلًا في ميزَان حَسناتك، وعلّه صدًا لبلاءٍ سيؤذيك ويؤلمُك، لا تَخب، فهو السّميعُ البصير، سامِع طرودنا وهَمسُنا -وحده-. 

ثِق بنفسِك، وقُدرتك علىٰ العطاء، وخالِقك قَبل كلّ هٰذا، وإليهِ تُرجَع الأمور، ليَختار خيرَها لنَا. 

رقيقُ الحِس، ناعِم القَلب، صَلب العَزيمة وصَلدُ الرّوح، هٰكذا أنتَ يا ”ثانٍ“، فثِق وأقدم. 

حصّه.
١٨أبريل٢٠١٦.
٩:٤٨م

الجمعة، 15 أبريل 2016

نَحوَ الحُلم، بِنقاء.



حلمٌ بعيد، كان سرابًا، أمّا الآن فهو يزداد وضوحًا، وضوحًا جميلًا وكم هو لذيذٌ تعب مُحاولة الوُصول إليْه! حُلمٌ بعيد، تتناقص قناعَتي كلمَا قارَبتُ وصوله، في الأمس كنتُ أريدُ قُربه فحسب! اليَوم، أريدُ قُربه بجدارة، الجَدارة التّي تنقصُني كثيرًا. 

لا أعلم لمَ هي مُتعبةٌ كثيرًا! ولمَ من السّهل على نَفسي أن تنظرَ إلى ما لا تستطيعُ وصوله فقط، غاضةً بصرَها عمّا أنجزتهُ كغضّها إياهُ عَن فاحشة! 

«إلٰهي رضّني وأرضِني» طفَقتُ أهمس بهٰذا الدّعاءِ كثيرًا! أصبَحتُ على شفا حُفرة من السَّخط! بعيدةً كُل البُعد عن الرّضا! لَم أكن كذٰلك قطُّ ولا أعلمُ لماذا استحالتْ رُوحِي جَشِعة هٰكذا! أهيَ القسوَة؟ التّي جَعلتني أفكّر بأنّ جلّ ما لديّ هُو هٰذا الحُلم، فيَجُب عليّ أن أكونَ الأفضَل فيهِ علىٰ الأقلِّ!  أهيَ«كرامة»؟ أكرهُ أن أراها تُكسر أمامي أو حتّى تتصدّع في كُل ما يُوجد بداخِل نِطاقِ حُلمي ودائرته الحَمراء! 

لا يا عَنقاء، حَذاري الجشَع حذاريه! املئي قلبكِ قناعةً ورضًا، وهَلمّي إلى العَطاء! هَلمّي إلىٰ الطموحِ النّقي الذّي لا يَشوبه طمَع، ونظركِ إلى المملوءِ من الكأس، ولا شيء غيرَه! وإلى نفسِك، ولا أحد سواها، وإلى روحِك، وليسَ لروحٍ أخرى.

اسرحِي بعيدًا في الخَيالِ، ولٰكن لا تحرِمي واقعَكِ لَذّة القَناعة، فهِي كنزٌ تناضلين للحوزِ عليهِ كنِضالِ الصّبارِ في صَحرائه، اسرجي واقعَكِ بالأمَل، ومحيّاكِ بالابتسام! كفاكِ تذمرًا كفاها روحكِ تأنيبًا، و..
نَحوَ الحُلمِ بِنقاءٍ ، سيري وهَروِلي!.


حصّه.
الجمعة, 15أبريل2016
8:50 مساءً.

الخميس، 14 أبريل 2016

أُريدُني مُجددًا!


تائِهة، لا أعلمُ إلىٰ أين أمضِي، خطوَاتي كالرّيشِ إلى اللامَكان.
قِفي!» أمرتُها. 
لا أستَطيعُ التوقّفَ!» أجابتني. 
عَثراتٌ كثيرة، أريدُ التشبّث بالطمَأنينة لٰكنّها لا تُطيقُ عِناقي! تَهرُبُ بعيدًا!

انكسار، تعبتُ الهَزيمة، آثرتُ الدّموعَ والخُلوة بشَجني، والسّبات! أريدُ سُباتًا طويلًا لا يَفيقُ خاطرِي مِنه! سباتًا عن الهُمومِ طويل! شَهران طويلان من العَذاب، الفِراق، الخِيانة، التخلّي، التّهميش والإهمال، الخذلان، السّقوط، الخَيبة، المرَض، شهرَانِ طويلانِ للغايَة اقتاتا عَليّ، ينحَتون أجزاءً مِن روحي حتّىٰ لا يتبقّىٰ مِنها سِوىٰ سرابٍ!

مَللتُ انتظارَ الفرَج الذّي آملتُه، هَممتُ أنتَظرُ نهايَة كلَّ يومٍ لأخلو بوسَادتي وأعانِقَ أحلامِي وَحيدة، وأصحو بَعدها مُجددًا لمُواجهة واقِعي المحطّم، مرةً تِلوَ مرة وأيّامي ما زالَت مُرة! أينَ تِلكَ الحلاوَة التي اعتدتُها؟ أينَ الطمأنينة التّي أتمناها طويلًا؟
إننّي في الهَاوية ولا أرى سِوى جُدرانٍ طويلة حَولي، وأعلاهُم سَماء حَمراء تُمطرُ دُموعًا  داميَة، يَعجز قلبي ويُشلّ عَقلي عن التجَاوز، مَرض جَسدي وتهتّكت أحشائِي، انفجَر عَقلي وسكتَ قلبي عَن النبضِ والشعورِ سوى عن كلّ ألَم.
لم أعد أشعُر نَحوَهم بشيء، لا بحبٍ ولا بكره، أولٰئك الذين آذوني كَثيرًا بلا شُعور. 
خذْلان. أودّ اللومَ والعِتاب، أودّ البُكاء، أريدُ المسَاعدة والعِناق، أريدُ الرّاحة، أريد البُعد والتّلاشي، أريد  الاستِقلال مِن هٰذه القيودِ المقِيتة! أريدُ حُريّتي، أريدُ سَلامي، أريدُني مُجددًا.

الرّحمة» هَمستْ. 
الرّحمة.. 
لتتَذكر أنّها ”عَنقاء“ وأنّ النّارَ التّي حَرقتها طويلًا لإحيائِها مُجددًا! عَنقاء لا تَهابُ الحَريقَ وتوُلد نَيلوفَرتُها مِن بينِ الرّمادِ. 


حصّه.
الخميس، ١٤أبريل٢٠١٦م.
١٢:٥٥م.

الجمعة، 15 يناير 2016

لماذا بدأت؟


كيف كانت البداية.. وأين وُلدت؟ 


هل تعرفون لحظات الإلهام الصباحية؟ حين تقفز إلى دماغك فجأة إحدى الأفكار الغريبة والمجنونة, من أصناف الأفكار التي لا يمكن أن تفكر فيها في حالتك العقلية العادية, وشعور النشوة ذاك حين تفكر بأمر جديد!


في السادس عشر من يناير, عام 2016 . الساعة السابعة و18 دقيقة, كتبت تغريدة على تويتر (بخاطري أسوّي مدونة), ولم أكمل كتابتها حتى بدأت بإنشائها فورًا, لذا اكتشفت أمرًا, وهو أنه الأمتع من التنفيذ هو التنفيذ حالًا! 

لقد أنشأتها أيضًا كي لا تتراكم أفكاري دون خروج, ولا همومي دون متنفس, ولا رغبتي بتقديم المساعدة والنصح دون تنفيذ.


أنا أعيش في هذه اللحظات شعور الحماس حين تبدأ بأي شيء جديد, فهل سيخفو هذا الحماس لاحقًا يا ترى..؟


أعاني في الأيام هذه - ومنذ عدة شهور في الحقيقة -  من ما يسمى بالـ"Writer's block"  الذي بلا شك موتٌ لكل كاتب, حقيرٌ كان أم مخضرم. فعسى أن تكون هذه المدونة سبيل خلاص لي من هذه الحالة!

أقصر تدوينة في التاريخ, هه؟ لكنني حتمًا لن أتراجع بنشهرها, فأود حقًا أن أوثق لحظة الانطلاق هذه :)



حصه.
السبت, السادس عشر من يناير 2016
9:29 صباحًا.